ستاتوسات فيسبوك

كتب ‎رجا زعاترة | آن أوان الحسم! (رسالة للأصدقاء في التجمّع الوطني الديمقراطي)

من المزمع أن تحمل الساعات الـ 24 القريبة قرارًا مصيريًا بشأن انضمام حزب "التجمّع" إلى القائمة المشتركة. بعد نحو شهر من المماطلات والمطالبات ومن التلكؤ الذي خلّف أضرارًا جسيمة في الانطلاقة المتجدّدة.

الأصل، والمبتدأ، هو الالتزام بالتفويض-التوكيل الذي منحته كل الأحزاب – بما فيها التجمع، ممثلاً برئيسه وأمينه العام – للجنة الوفاق. هذا هو الأساس وهذا هو الموقف الذي يحفظ ماء الوجه للجميع ويجنّب الجميع المعارك المفتعلة على "مكانة الحزب". وربما من الجدير التذكير بأنّ من ينكث العهد اليوم هو نفس الحزب الذي طالب – إبّان أزمة التناوب – بتنفيذ ما هو غير مكتوب، في حين أنه يتراجع الآن عمّا هو مكتوب. وكثيرًا ما تحدّث متحدِّثو التجمع عن "الأخلاق في السياسة"، وهم مطالبون اليوم بتطبيق هذه المقولة. هذا هو الحسم المطلوب أولاً.

أما ثانيًا، فليس سرًا أنّ التجمّع، في السنوات الأخيرة، قد تراجع سياسيًا وتمثيليًا في كل حلبة ممكنة، من الجامعات إلى السلطات المحلية إلى الكنيست. وما من شك أنّ لهذا التراجع أسبابًا عدّة، منها ما قد يكون تنظيميًا محض، ولكنه بالأساس تراجع مردّه تناقضات جذرية في الفكر السياسي وفي المشروع السياسي المترتّب عليه. من الموقف الإقليمي المشبوه والارتماء في أحضان أنظمة الخليج الرجعية والمتآمرة الذي طغى على الأصوات الوطنية الصادقة التي حافظت على ثوابت الفكر القومي الحق؛ إلى الاصطفافات المحلية التي تحرّكها الأحقاد والضغائن والتي كان أوجها دعم علي سلام في الناصرة، والتي أدّت في انتخابات 2018 إلى سقوط التجمّع وحلفائه في معظم المواقع؛ إلى النهج غير المسؤول وغير الوحدوي على المستوى البرلماني والذي لم يستفد منه – في "امتحان النتيجة" كما يُقال – سوى أعداء شعبنا المستعرين على شرعيتنا السياسية. هذا النهج تجسّد في العرقلة المتعمّدة لأية محاولة للعب دور سياسي مؤثر على الساحة السياسية، وانعكس في قضية النائب غطاس – التي كانت هدية مجانية لليمين الحاكم ومادّة دسمة للتحريض الفاشي - وتفاقم في أزمة التناوب التي ضربت بدورها وحدة صف القائمة المشتركة وقوّضت مصداقيتها أمام جمهورها وأصابتها في مقتل. ويبدو أن نفس التيّار داخل "التجمّع" ما زال مُصرًا على هذا النهج المدمّر. والحسم المطلوب يعني أيضًا وقف الارتهان لحفنة من المنتفعين بوصلتها ليس وطنية وليست في الوطن بل في صحاري النفط والغاز!

أما ثالثًا، فإنّ اللجوء إلى الاختباء خلف المرشح الثالث "الشعبي" هو مؤشر أزمة سياسية وليست "صراع كراسي" كما قد يبدو على السطح. ليس فقط لأنّ هذا المرشح – حسب نتائج انتخابات نيسان 2019 – لم يكن "مضمونًا" من الناحية الانتخابية. بل لأنّ المضمون السياسي الذي يمثله هو أبعد ما يكون عمّا يدّعيه حزبه؛ "لا نهون لا نهاب لا نلين" وتغليب الانتماء القومي على ما دونه من انتماءات قبلية وعصبية! هذا التناقض بين المغالاة في التشدّد الوطني وبين الإفراط في البرغماتية المواطنية هو تناقض ملازم للتجمّع منذ عشرين عامًا (التنافس على رئاسة الحكومة تارةً و"التعفّف" عن خوض غمار السياسة البرلمانية طورًا؛ إبرام صفقة لدعم باراك تارةً و"التأفّف" من فائض أصوات مع "ميرتس" لاحقًا؛ مقاطعة انتخابات النقابات في الجامعات تارةً ثم "اللغوصة" في تحالفات مع قوى اليمين طورًا؛ المزايدة على بلدية الناصرة بإدارتها الجبهوية ثم الشراكة مع علي سلام في الانتخابات وما بعد الانتخابات). ولكن في الظرف السياسي الراهن لم يعد بالإمكان المخاتلة بين هذا وذاك. والحسم المطلوب ليس فقط إقرار الانضمام للمشتركة بل الحسم باتجاه تغليب مبدأ وحدة الصف النضالية على النهج الانتهازي العقيم الذي أفضى أصحابه إلى هذهالمعادلة المستحيلة والتي لا يقبلها العقل والمنطق ولا الأخلاق: إما أن تمنحونا كرسيًا هنا أو هناك وإما أن نعلن مقاطعة البرلمان الكولونيالي الغاشم!

أما رابعًا، فرغم كل المآخذ على التجمّع، وهي كثيرة وجذرية، فليس بوسع أحد، حتى خصومه، إنكار حقيقة أنّه حاول تقديم وتطوير #طروحات فكرية وسياسية أكثر مما فعلت الأحزاب الأخرى التي نشأت في نفس الحقبة: الحزب القومي العربي، والحزب الديمقراطي العربي، والحركة العربية للتغيير. لا بل حاول أن يطرح نفسه بديلاً لتيارات عريقة على الساحة السياسية للجماهير العربية، وخصوصًا للحزب الشيوعي والجبهة. والحسم المطلوب يعني أيضًا التخلي عن هذه المكابرة، والقناعة بأنّ الحجم السياسي-الانتخابي الراهن للتجمّع هو حصيلة مشواره السياسي، وأنّ الإخفاق في التحوّل إلى تيار كبير لا يعني عدم وجود متسع له، بل يعني وجوب استخلاص العبر وتقويم المسيرة بما يخدم المصلحة الوطنية والمهام السياسية التي نتفّق عليها والتي يُجمِع عليها معظم جماهيرنا.

أما خامسًا – وهذه الملاحظة موجّهة للجميع – فلا يظنّن أحد أنّ انهيار أو اندثار حزب سياسي، سيؤدي إلى ارتقاء الحالة السياسية في ديارنا؛ فالخيارات هي الانتظام الفئوي (الطائفي والعائلي والإقليمي، أي تبخيس السياسة إلى لعبة هويات أوّلية متناثرة ومتصارعة) وإما المصلحي (تحت يافطات "المستقلين" والأكاديميين" ورجال الأعمال، أي تحويل السياسة إلى سلعة "بزنس" في سوق العرض والطلب). فهذا ما نراه الآن على المستوى المحلي وما قد يتحوّل – في ظل تراجع و/أو غياب الأحزاب السياسية - إلى "كتلة حرجة" على المستوى القطري يمتطيها الانتهازيون على اختلاف انواعهم وألوانهم. وحتى إذا كان حجم التجمّع الانتخابي أقل من مقعدين فعليًا فإنّ الحفاظ على القائمة المشتركة بمركباتها الأربعة، في هذه المرحلة تحديدًا، هو قيمة مضافة في الموازين السياسية الكبرى وفي إزاء المهمة السياسية التاريخية التي نحن بصددها وهي مواجهة صفقة القرن والإسهام، من هنا من موقعنا الوطني والمواطني، في إسقاط نتنياهو وضرب تحالفه مع إدارة ترامب وعربان الخليج.

وكلّي أمل أن يكون العقلاء في التجمّع على القدر الكافي من المسؤولية للحسم في الاتجاه الصحيح في هذا المفترق المفصلي.



 




bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

كتب طلب الصانع | منصور عباس يطرح برنامج واضح...

2021/06/14 09:33

كتبت سناء لهب | عندي سؤال صرله فترة بتردد...

2021/06/04 07:56

كتبت سناء لهب | لا افهم من يهاجم منصور عباس...

2021/04/02 11:04

كتب سليم سلامة | على قدر حلمك تتسع الأرض (م....

2021/03/21 20:43

كتب سليم سلامة | ارفَعوا أيديكم عن هذا...

2021/03/05 12:59