رأي

د. أحمد رفيق عوض

تطوير المواقف العربية لحماية الشعب الفلسطيني

الفكرة تقول ببساطة انه يمكن توزيع الشعب الفلسطيني على العديد من بلدان الطوق او غيرها من البلاد العربية او حتى الاوروبية، و بذلك تنتهي القضية الفلسطينية ويوضع حد للصراع

بوقاحة منقطعة النظير، فان فكرة تهجير الشعب الفلسطيني اصبحت رؤية متكاملة وناضجة، و يطرحها الغرب الاستعماري بشكل علني ويطلب من الاخوة العرب ان يتعاملوا معها وان يطبقوها، بالاغراء او بالتهديد او بكليهما.

والفكرة تقول ببساطة انه يمكن توزيع الشعب الفلسطيني على العديد من بلدان الطوق او غيرها من البلاد العربية او حتى الاوروبية، وبذلك تنتهي القضية الفلسطينية ويوضع حد للصراع على اعتبار ان احد طرفي هذا الصراع قد تم نفيه من المشهد و تم شطبه من سجل شعوب الارض الحية.

هكذا هي الفكرة ببساطة، و الأكثر خطورة، انه يمكن تطبيق هذه الفكرة بالحرب او بالتهدئة، اي ان ما بعد الحرب قد يكون أخطر، وذلك من خلال تسهيل السفر واغراءات الاقامة بالغربة. هذه الفكرة الاستعمارية التي ترى ان الشعوب يمكن قلعها او طردها او قتلها لانها ليست بيضاء و ليست اوروبية ولا تقدر سنفونيات موزارت ولا تقرأ فلسفة هوسرين.

تهجير قسري | تصوير هاني الشاعر

هذه الوقاحة وهذا الصلف، قابلته بعض الدول العربية بالكثير من الحسم و الحزم و القول بان التهجير القسري للشعب الفلسطيني قد يواجه برد عسكري، و هو ما جعل هذه الفكرة تتراجع الى حين، ولكن ذلك يكشف كثيرا من الامور، نلخصها بما يلي:

اولا: ان النظام العربي تأخر كثيرا في حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، اما عجزا او قلة وعي او تواطؤ او كل ذلك مجتمعا او متفرقا، و بعد  74 عاما من غياب الحل فان انفجار الاوضاع الان يعني ان اسرائيل ومن يدعمها يريدون اجبار الدول العربية على تحمل اعباء الاحتلال و المشاركة في حل الصراع على حساب تلك الدول وشعوبها.

ثانيا: ان سرائيل التي افرغت كل القرارات و المبادرات للتسوية من مضمونها، وجدت ان الطريق الأقصر لحل هذا الصراع هو من خلال الحلول العسكرية وتهجير الشعب الفلسطيني من جديد، ربما للحصول على سنين اخرى من الهدوء و الاستقرار، و يبدو ان اسرائيل وجدت ان الظرف مناسب جدا لفرض التسوية ليس على الفلسطينيين فحسب بل على الانظمة العربية، لضعفها او حاجتها للمساعدة والحماية والرضى الامريكي.

محاولة لـ "فرض شكل التسوية، وليس في غزة فقط"

ثالثا: ان الدول العربية التي وجدت نفسها  مضطرة للدفاع عن مصالحها وسلامها الداخلي ومستقبل علاقاتها مع الغرب و الاقليم، اكتشفت ان عليها مجابهة اسرائيل مهما كان الثمن، فالمطلوب ليس تجريم الفلسطيني وتحميله شرور الاقليم، ولكن المطلوب ان يشارك العالم العربي بشطب الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يطالب به بالتطبيع مع اسرائيل، وفي ذلك مفارقة لا يمكن لعاقل ان يقبلها مهما كان معتدلا او مهادنا.

رابعا: اسرائيل التي تستغل الدعم الغربي لها تحاول بسرعة ان تفرض شكل التسوية ليس في غزة فقط بل في الضفة ايضا وذلك من خلال الهجوم الاستباقي ومن خلال الحواجز التي زادت على 700 حاجز وعمليات الاقتحام الليلي للمخيمات و المدن وعمليات الاعتقال الواسعة وكذلك من خلال استفزازات المستوطنين، و في ذلك محاولة من اسرائيل لخلق نموذج مصغر لما ستكون عليه الاوضاع.

خامسا: الحرب الدائرة الآن على قطاع غزة، تنذر حقا بان تتحول الى حربا اوسع، تهدد مصالح الغرب و تضع احتلال اسرائيل للارض الفلسطينية على الاجندة العالمية، وهو ما يدفع الفلسطينيين اينما كانوا الى ان يوحدوا الخطاب والاداء. فالصبر دائما ما يقود الى نتائج ايجابية قد تغير من  سواد المشهد وقتامته وتحيله الى واقع آخر تماما.

"اسرائيل وجدت ان الطريق الأقصر لحل الصراع هو من خلال الحلول العسكرية وتهجير الشعب الفلسطيني من جديد"

سادسا: هل يمكن للدول العربية ان تطور موقفها الحازم والحاسم ضد التهجير القسري؟! نعم تستطيع، فلديها ما يمكن ان تخاطب به العالم الغربي الداعم لاسرائيل -  لديها الثروات والممرات، ولديها الاتفاق والسفارات، ولديها شعوب معطاءة يمكن ان تتقاسم معها الهم والتحدي، بحيث تتحول تلك الشعوب  الى مصدر قوة و ليس الى مصدر شغب او تهديد. الشعوب كنز وثروة ويمكن ان يتحملوا كثيرا من المسؤوليات، و في ذلك تطوير للمواقف وتصعيد للمطالب وتحقيق لها، بدءً من وقف القصف ومرورا بادخال المساعدات الى فرض تسوية حقيقة وحماية للشعب الفلسطيني وثرواته ومقدراته .

سابعا: برأيي فان تطوير المواقف العربية باتجاه حماية الشعب الفلسطيني من خلال تسوية مقبلولة على الجميع يحمي تلك الدول من زعزعة أمنية وسياسية اخرى في المنطقة كلها وربما تؤثر على حدودها ايضا . 

الحرب هذه المرة ليست على الشعب الفلسطيني فقط، وعلى الجميع ان يدرك ويعي مسؤولياته قبل ان تفرض عليه.

● الكاتب رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية - جامعة القدس

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

عن تصريحات خليل الحية؛ كأننا إزاء "حماس"...

2024/05/15 15:48

رفح... حافّة لكل شيء

2024/05/14 03:28

لماذا عجز اشقاؤنا العرب عن إنقاذنا حتى...

2024/05/14 02:53

على وقع عملية رفح وموقف واشنطن: طريق...

2024/05/12 10:34

ماذا وراء الرصيف العائم في غزة؟!

2024/05/07 16:03