رأي

رجا إغبارية

ثقافات، سيكولوجيات وسقوط أقنعة

اعتقدوا أن الهدنة ستتيح الفرصة لأهالي غزة أن "يكتشفوا هول الكارثة التي اوصلتهم إليها المقاومة"، لكنهم وجدوا شعبا يعود إلى بيوته المهدمة ويقول: لن يهدموا إيماننا بصدق وعدالة قضيتنا كما لن يتمكنوا من هدم ثقافتنا
فلسطينيون يعودون الى بيوتهم لتفقدها بعد اعلان الهدنة

ثبت بالقطع وباعتراف الصهاينة رغم أنفهم وأنف كل إجراءات التكتم على حقائق تعامل حماس والمقاومة مع اسراها اليهود وغير اليهود من الأجانب بأنها كانت إنسانية وقامت بتوفير الطعام والدواء لهم. وأجزم أنها أكثر مما توفر لباقي سكان غزة. هذه شهادات الأسرى اليهود المحررين رغم كل محاولات التوجيه المخابراتية والعسكرية لهم بأن يخفون هذه الحقائق كي لا يعملوا دعاية إعلامية عالمية جيدة لحماس. 

بالمقابل وجدنا الأسرى الفلسطينيين المحررين يشكون من تجويعهم وتجويع أكثر من 8,000 أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال منذ 7 أكتوبر  بحيث تم سحب معظم حقوقهم القانونية ومنع الأدوية والفحوصات الطبية عنهم.

هنا تكمن إحدى الفوارق الجذرية بين عقلية الصهاينة وعدم احترامهم لكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية وبين عقلية وقيم المقاومة التي تناضل ليس لاحتلال أحد، بل للتحرر من المستعمر، الأمر الذي تجيزه كل القوانين والشرائع  الدولية التي أقامت اسرائيل نفسها على حساب الفلسطينيين، شعبا وارضا وحقوق وطنية مشروعة.

مقابل تجويع الأسرى: محتجزة اسرائيلية توجه "رسالة شكر" لمقاتلي "القسام" على التعامل الانساني معها ومع ابنتها

الشعب في غزة الذي تعرض لكارثة إنسانية وبيئية، من قتل ما يفوق الـ 20,000 شهيد و30,000 جريح ونحو مليون مشرد، لم يثُر على المقاومة ولم يهاجمها، بل يحلف بحياتها. وهذا ما جعل الصهاينة يفقدون صوابهم، لأنهم اعتقدوا أن الهدنة ستتيح الفرصة لأهالي غزة أن يكتشفوا هول الكارثة التي "اوصلتهم إليها المقاومة"،  كما اعتقدوا (!!)، لكنهم وجدوا شعبا يعود إلى بيوته المهدمة، ليسمعهم يقولون "الحمد لله، الحجر لا يهم، سنعيد بناءه، لكنهم لم ولن يهدموا إيماننا بصدق وعدالة قضيتنا كما لن يتمكنوا من هدم ثقافتنا". هذه اقوال ترد على السن كل من قابلتهم الفضائيات العالمية المنتشرة في غزة. 

في هذه الجزئية تحديدا تكمن اكبر هزيمة للاحتلال وهمجيته وعقليته السادية التي سجلت سابقة في تاريخ الكوارث البشرية التي نتجت عن الحروب، كالنازية الألمانية واستعمال القنابل النووية الأمريكية في اليابان. فأن تدمير المستشفيات وقطع المياه والكهرباء والدواء والغذاء والمدارس والبنى التحتية بهدف "إعادة أهل غزة إلى العصر الحجري"، كما هدد غالانت المسؤول عن تنفيذ هذه الإبادة الجماعية، ممثلا لهذه العقلية السادية المجرمة، بغض النظر عن هدم 60 بالمئة من بيوت أهل غزة حتى الآن.

دمار كامل وكارثة انسانية في القطاع

إذن، هدم الحجر والشجر لم ينل من البشر الذين ما زالوا داعمين لمقاومتهم، الأمر الذي يهدم معنويات جيش الاحتلال وقادته وحكومته الذين انتظروا ثورة شعبية غزية ضد المقاومة . 

انهم لا يدركون أن ثقافة الاستشهاد عند المسلمين تولد مع ولادة الطفل وما يطير صوابهم أن الناس يباركون لأهل الشهيد ويتمنون أن يكونوا مكانهم. انهم يعتبرون ذلك حسب ثقافتهم اليهودية أو الغربية أن المسلمين مجرمين ولا تهمهم حياة الإنسان. انهم لا يدركون أن ثقافة العربي والمسلم مبنية على قاعدة ناضل في دنياك ضد المستعمر كأنك تستشهد غدا. انهم يعتقدون بحسب دراساتهم الخاطئة لعقلية العربي والفلسطيني بشكل خاص، أنها  تقاس بحسب مفاهيمهم !! 

هنا يكمن الأساس السادي لعملية إجرامهم وتفجير حقدهم الثقافي غير المسبوق ضد الغزيين  ليجدوا أن ثقافة العربي والفلسطيني والمسلم بشكل عام متحصنة بإيمانها وانسانيتها وكرامتها الشخصية والقومية (قارن بين احتجاجات أهالي الأسرى اليهود وعدم تقبلهم اي تأخير بإطلاق سراح ذويهم وبين احتفالات ذوي المعتقلين الفلسطينيين المحررين رغم تأكيدهم الثمن الباهظ الذي دفعه أهل غزة، ورغم إجراءات شرطة وجيش الاحتلال ضد أهالي المحررين الفلسطينيين). 

حرب إبادة وتهجير | تصوير: هاني الشاعر

هنا تكمن هزيمة كل أصحاب حرب الإبادة الجارية ضد الفلسطينيين، وهنا يكمن انتصار المقاومة في هذا الجانب السيكولوجي الثقافي الإيماني الإنساني. فبرغم تسجيل الصهاينة انتصارا في قتل المدنيين الابادي وهدم البيوت والبنى التحتية والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس وسيارات الإسعاف وقطع المياه والغذاء والكهرباء ... الخ، لكنها لم تهزم الإنسان الغزي والفلسطيني والعربي والمسلم وكل قوى التحرر في العالم التي نزلت بملايينها إلى الشوارع تهتف الحرية لفلسطين. 

هنا انتصر الدم الفلسطيني النازف ليعيد القضية الفلسطينية إلى مركز اهتمام شعوب العالم ويفرض على حكام الإمبريالية معادلة دولية جديدة لا تستطيع تجاوزها بعد اليوم، الأمر الذي كان موهوما بعد اتفاقات ابراهيم التطبيعية  مع محميات الاستعمار الخليجية. 

لقد تم تدويل الدم الغزاوي ليصبح وقودا ليس فقط لتحرير الأسرى الفلسطينيين، بل وقودا لتحرير الشعوب التواقة للتحرر من الاستعمار المباشر وغير المباشر، وقودا لكشف أقنعة دعاة ثقافة حقوق الإنسان والطفل والمرأة أحادي اللون (الابيض) وبين ثقافة العربي الشريف والمسلم الشريف والفلسطيني الشريف الذي يقاوم  الاحتلال والاستعمار على أرض وطنه من المحيط الى الخليج.

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

ماذا وراء الرصيف العائم في غزة؟!

2024/05/07 16:03

الهجوم على المقر.. والدعوة إلى الحوار

2024/04/27 18:34

بداية التغيير في القيادة الأمنية...

2024/04/26 12:08

اجتماع السبعة: خطاب الاستعداء؛ اجتماع...

2024/04/22 18:52

أين يذهب التحليل الآن؟

2024/04/20 10:06