رأي

د. أحمد رفيق عوض

كل الحلول تفشل لأنها على حساب الضحية

فشلت لأنها افترضت ان الضحية لا تحلم ولا تأمل ولا تشبه الاقوياء او الاغنياء، وافترضت ان الضحية بلا تاريخ ولا جذور ولا مرجعيات، كأن هذه الضحية جاءت من العدم وتذهب الى العدم مرة أخرى
تعبيرية | مواقع التواصل

كل القرارات الدولية وكل المبادرات والافكار والاطروحات التي تعلقت بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي، من اجل وضع نهاية له او خروجًا منه، فشلت بشكل او بآخر، اما أنها غير واقعية او لم يتم الاتفاق عليها او تم تجاوزها او اهمالها او عدم التعاطي معها او تطبيقها بما يخدم مصلحة المحتل القوي او من يدعمه. 

ان فشل جميع المقترحات او المبادرات التي تم طرحها حتى الآن منذ اكثر من 75 سنة انما يعود ضمن أمور اخرى الى ان تلك الحلول كانت على حساب الضحية دائمًا، فالمطلوب من هذه الضحية ان تعدل سلوكها او ان تغير وعيها او ان تقبل انقاص جغرافيتها.

 كان المطلوب دائما ان تقوم الضحية بتهدئة الطرف الاقوى ونزع مخاوفه وطمأنته ومنحه احساسًا بالأمن والرضا والقناعة، كان على الضحية دائمًا ان تثبت حسن نواياها مسبقًا، وان تدفع استحقاقات الهدوء والاستقرار من قوت يومها ولحمها الحي ومائها ودمائها وهوائها وترابها وعدد اشجارها. وفي كل المقترحات والمبادرات، كان على الضحية ان تنظف وعيها ووجدانها من المشاعر السلبية والاتجاهات والغضب والحزن وحتى الفرح.

"كل القرارات الدولية فسلت بشكل او بآخر"

 كل المبادرات والافكار والطروحات منذ 75 سنة او اكثر افترضت ان الضحية هي التي يتوجب عليها ان تدفع ثمن كل شيء، وان تشتري بدمها واحلامها وآمالها مجرد البقاء.

فشلت كل الحلول والمقترحات لانها افترضت ان الضحية لا تحلم ولا تأمل ولا تشبه الاقوياء او الاغنياء، وافترضت ان الضحية بلا تاريخ ولا جذور ولا مرجعيات، كأن هذه الضحية جاءت من العدم وتذهب الى العدم مرة اخرى.

كل الحلول وحتى هذه اللحظة افترضت ان الضحية مهزومة من الداخل والخارج وعليها ان تدفع ثمن هذه الهزيمة ، وان عليها ان تقبل بالمعروض عليها مهما كان ناقصًا او هزيلاً او غير مقنع.

كل المبادرات والحلول افترضت ان الضحية يمكن اعادة تركيبها او تفكيكها او هندستها او رسم حياتها الحاضرة او المستقبلية، وان الضحية لا تستطيع ان تقرر وحدها. فلا بد من فرض من ينوب عنها او يمثلها، وعلى عكس جميع شعوب الارض، فلا تستطيع الضحية ان تختار ممثليها ولا مناهج مدارسها ولا اسماء شوارعها ولا كلمات اغانيها ولا عدد الطوابق في عماراتها، وعلى عكس جميع الشعوب، فإن الضحية في حالتنا لا تستطيع ان تحمي ما تبنى ولا ان تذود عن احواض النعناع او اشجار الكينا او اقفال الخزائن. في حالتنا فان ابواب الضحية مفتوحة وظهرها مكشوف ولحوم ابنائها متاح وسهل.

الحلول تفشل لأنها تفترض ان الضحية ليست بحاجة الى الأمن بقدر حاجتها الى الخبز، وانها ليست بحاجة الى السيادة بقدر حاجتها الى التكيّف، وانها ليست بحاجة الى جغرافيا بقدر حاجتها الى "تصريح مرور". وانها ليست بحاجة الى تطوير ذات وطنية بقدر حاجتها الى وثيقة تعريف بيومترية تظهر عدد مخالفاته وسني سجنه.

 الحلول تفشل وستفشل اذا ظلت تفترض ان الضحية يمكن ان يتم خداعها والالتفاف على مطالبها الى الأبد.

● الكاتب رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية - جامعة القدس

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

ماذا وراء الرصيف العائم في غزة؟!

2024/05/07 16:03

الهجوم على المقر.. والدعوة إلى الحوار

2024/04/27 18:34

بداية التغيير في القيادة الأمنية...

2024/04/26 12:08

اجتماع السبعة: خطاب الاستعداء؛ اجتماع...

2024/04/22 18:52

أين يذهب التحليل الآن؟

2024/04/20 10:06