أخبارنا

على عَتبَة الإنتخابات: مفاهيم خاطئة للمواطنة.. ولّيناك وتركناك!!

مفهوم المواطنة في مجتمعنا يعاني من خلل كبير، فالمواطنة لدينا تبدأ وتنتهي بالمشاركة بالانتخابات المحلية وبعدها بيوم أو يومين، فإما أن نفرح ونحتفل مع الرئيس الفائز، وإما أن نحزن ونُصاب بخيبة الأمل مع الرئيس الذي لم يفز.. وبعد ذلك يحدث انقطاع طويل بمواطنتنا وعلاقتنا بمؤسسة البلدية أو السلطة المحلية، اللهم إلا مسألة دفع استحقاقات الأرنونا.. وما هكذا تكون المواطنة الصالحة الفعّالة والإيجابية.

 


مفهوم المواطنة الصحيح يبدأ بصدق الانتماء والتربية للانتماء للبلد وأهلها ، وهذا الانتماء هو الذي يحرّك عجلة المواطنة لتصبح مواطنة المشاركة الفاعلة بكل ما يتعلق بشؤون البلد. فمشاكل البلد وهموم الناس وأعباء البلد ليست مسؤولية الرئيس أو المنتخبين من الأعضاء فقط، ونحن بعد أن ننتخب رئيس المجلس أو البلدية فلسان حالنا يقول: "اذهب أنت وإدارتك فقاتلوا، إنا ها هنا منتظرون" (ولّيناك وتركناك).. وهذا خطأ كبير يدل على أننا لم نذوّت حتى الآن معنى المواطنة ومفهومها الصحيح.

 


ألبَلد هي ملك للجميع، ويجب على كل مواطن أن يشعر بأن كل شارع وكل حارة وكل رصيف وكل عامود كهرباء وماسورة مياه وكل سور هو ملكه، ولا يستطيع أن يقول لا دخل لي ما دامت بعيدة عن بيتي، متمثلا المثل الشعبي: (حيّد عن ظهري بسيطة).. كل البلد بيتك. وظهور كل الناس ظهرك. فلا تتهرب ولا تتجاهل ولا تتقوقع بأمثال ومفاهيم سلبية قاتلة.

 


ألموَاطِن الإيجابي هو الذي يهتم بكل شؤون بلده، ولا يبخل بالعمل أو المشورة والنصيحة لإدارة البلدية أو المجلس المحلي في بلده، كائنة مَن كانت هذه الإدارة، سواء التي انتخبها وصوّت لها أو التي لم ينتخبها. فكل رئيس بعد انتخابه يصبح رئيسا لكل المواطنين ومسؤولا عن كل البلد، لا عن قسم منها.

 


ألموَاطَنَة هي مفهوم وتربية، وهي بعد ذلك حقوق وواجبات، وهي قدوة حسنة.. فمفهوم المواطنة يقوم على المشاركة بعد الانتماء، المشاركة بكل أعباء البلد والمساهمة بتحمل هذه الأعباء، كل حسب قدراته أو اختصاصه وموقعه. ومن باب المواطنة العمل على تصحيح معنى الانتماء.. ومعنى الوطنية الصحيح يبدأ من التربية في البيت ثم المدرسة والمجتمع. ففي بيوتنا عندما نربي أبناءنا على أن دائرة انتمائهم واهتمامهم هو فقط البيت والعائلة، وخارج عتبة باب البيت يبدأ عالم الغرباء أو الأغيار الذي لا دخل لهم فيه؛ ينشأ هؤلاء الأبناء والأولاد على الاهتمام بدائرة انتماء ضيقة جدا. فالنظام والنظافة يكون داخل هذه الدائرة فقط، أما الشارع أو الساحة أو الرصيف في الحارة فهو لا يعنيهم، هذا شأن البلدية أو المجلس، حتى وإن اصبحت النفايات أكواما متراكمة.. وللأسف فإن الكثيرين لا يعملون على تنمية روح التطوع وثقافة العطاء والتضحية من أجل البلد أو المصلحة العامة، وتربيتنا أضحت ضيقة وأنانيّة!.

 


في المدارس، على الرغم من الدور الذي نحاول القيام به من أجل إكساب الطلاب وتربيتهم على قيم العطاء والتطوع، إلا أن طلابنا ما زالوا بحاجة إلى الكثير من التوعية والتثقيف وضمهم في أطر شبابية اجتماعية تستثمر الطاقات الكامنة فيهم لما فيه مصلحة بلدهم ومجتمعهم وأبناء بلدهم.. ولا أنسى عندما كنت معلما، في أوقات المناوبة، عندما كنت أطلب من أحد الطلاب رفع ورقة أو كيس بلاستيك عن الأرض أو ساحة المدرسة كيف كان يرفض ويقول: (أنا مش زبّال)! فكنت أقول له: (يا أستاذ، أنا زبّال) وأمسك الورقة أو الكيس وأضعه في الحاوية!.

 


مفاهيمنا الخاطئة والسلبية لمعنى المواطنة تنسحب على مجالات واسعة أخرى؛ منها: اعتقادنا أن الرأس سواء كان رئيس مجلس أو بلدية هو الذي يحل ويربط، وهو الهدف ورأس النبع. فالمواطن الذي يريد دفع استحقاقات الأرنونا مثلا يتوجه للرئيس!، والمواطن الذي لا تصله سيارة النفايات يتصل بالرئيس!، ومن أجل الحفرة في الشارع وعامود الكهرباء.. وهكذا الأمر مع تشغيل شبكة المياه والكهرباء في الروضات وإيجاد أماكن عمل لكل معلم ومعلمة ومهندس ومهندسة ومحام وغيرها غيرها..

 


مجتمعنا يُشغل رؤساء المجالس والبلديات بكل كبيرة وصغيرة، ولا تتم خطبة أو عرس أو طلاق أو فض نزاع وخلاف أو جاهة صلح دون الرئيس.

 


المواطنة الصحيحة هي التي يعرف من خلالها المواطن أن للبلدية والمجلس موظفين وأقساما واختصاصات، وأن القفز فوق هؤلاء بالطريق نحو قمة الهرم، نحو الرئيس، فيها تشويه وتفسير خاطئ لمعنى المواطنة. ومن المفروض أن يتم التوجه في البلدية أو المجلس للقسم أو الموظف المسؤول والمختص، ولكن للأسف ما زلنا نعتقد أن أقصر الطرق لحل أي مشكلة هو هناك عند رأس الهرم!!
مفهوم المواطنة والانتماء الصحيح يبدأ بالتربية والتوعية في البيت والمدرسة، وهذا المفهوم بحاجة إلى ترشيد وتصحيح حتى نتخلص من ثقافة (ولّيناك وتركناك) إلى ثقافة (ولّيناك وتابَعناك ورافقناك ) .

bar_chart_4_bars مقالات متعلقة

أين تتواجد قيادة حماس في غزة؟ - هذه التفاصيل

2024/04/23 14:01

استهداف مواقع عسكرية في عكا بمسيرات حزب...

2024/04/23 14:41

أردوغان: حماس لن تغادر قطر

2024/04/23 12:55

انتفاضة الجامعات الأمريكية نصرةً لغزة...

2024/04/23 09:44

اغتيال "قيادي عسكري" في حزب الله ردًا على...

2024/04/23 09:21