لم يستوقفني، هزّاً، في ما كتبه أيمن، باسمه وباسم "المشتركة" (أدناه، في الصورة) لا "المطالبة والملاحقة" (مجرد كلمتين قيلتا من قبل كثيراً، لا فِعلٌ ولا أثر!) ولا "التحقيق الفوري" ("جرّبناك، جرّبناك")، ولا "المتسع من الوقت" الذي كان متاحاً لـ"الأمن" من أجل "التحقق من وضعه" (ماذا يهمّ "وضعه" في سياق تنفيذ جريمة إعدام؟) ومن أجل "التصرف بهدوء" (شو يعني "بهدوء"؟؟؟)... لم يستوقفني هذا "الحكي الفاضي" كله. لكنّ ما استوقفني، حقاً، هو هذه اللغة كلها المستخدَمة هنا، وخصوصاً خصوصاً منها مفردة "مَقـْتَل".

لا يمكن اتهام أيمن بأنه "لا يجيد العربية" ولا يمكن اتهامه بأنه لا يعرف الفرق، الجوهري معنىً ووقـْعاً، بين كلمة "مقتل" هذه وبين مفردات أخرى مثل "قَتـْل"، أو "اغتيال" أو "إعدام"! فلماذا يصرّ، إذن، على استعمال هذه الكلمة المخفـَّـفـَة التي لا تعني، في الاستخدام المتَّبَع عادة (وهو خطأ شائع، يختلف عن معناها الحقيقي، كما يرد في المعاجم العربية: اسم مكان واسم زمان من قتـَلَ!) ـ لا تعني فِعل القـَتـْل، عمداً أو غير عَمْد، وإنما تعني فقط الموت/ الوفاة الذي هو النتيجة!

من المؤكد أن أيمن لم يقصد ـ كما أفهم ـ "المطالبة والملاحقة" بـ/ لـ "تحقيق فوري" في النتيجة، التي هي الموت، وإنما في الفِعل نفسه، الذي هو القتل. فلماذا تجنّب استخدام أيٍّ من مفردات "القتل"، الاغتيال" أو "الإعدام"، مثلاً، ومن المؤكد أنه شاهد الفيديو؟؟؟

اللغة ليست مجرد مفردات وعبارات. اللغة معانٍ ومواقف.

واللغة هنا هي نفسها، اللغة الهلامية ـ لغة التخفيف والضبط، لغة المهادنة والاسترضاء، لغة تنفيس الغضب وكبح تحوّله إلى فِعل صداميّ (مع السياسات الرسمية وتطبيقاتها العملية!)... هي نفسها اللغة التي تصرّ على عدم الارتقاء إلى مستوى عنف الواقع ومأساويته، عدم التصدي له والسعي لتغييره، بأفعال حقيقية تُتَرجم اللغة وتجسّدها؛ اللغة التي لا تصمد فتتبخر وتتلاشى من تلقاء نفسها لتكرّس، بالتالي، حالة من العجز والهوان اللذين يشرّعان الأبواب على مصاريعها للمزيد والمزيد من جرائم القتل والاغتيال والإعدام!

هذا ما كتبتُه، أمس (قبل أن أرى ما كتبه أيمن): "كما في سابقاتها، سنشجب ونستنكر ونندد وننفّس غضباً ثم نعود إلى محاولاتنا المذلّة والمهينة (سياسياً واجتماعياً، وطنياً وقومياً!) لتحقيق "الاندماج" غير المنطقي وغير الطبيعي وغير الممكن... في انتظار جريمة القتل التالية"!